المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: صالح محمد
ذخيرة الفقه الكبرى
على مذهب الإمام مالك بن أنس الفضيلة مولانا العالم العلامة الشيخ الطاهر محمد سليمان الأشعري عقيدة المالكي مذهبا البدوي السطوحي طريقة
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية ذاتا وصفة و فعلا ، من لا إله غيره يعبد بحق ، وهو المنفرد بالإيجاد والإعدام . نحمده أبرز العالم من العدم إلى الوجود على وفق العلم والإرادة ؟ سبحانه تنزه عن كل شريك ونظير وشبيه ومثيل ، وتنزه عن كل نقص واتصف بکل کال . والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، الناطق بالصدق ، السراج المنير ، سيد ولد آدم أجمعين ، سيدنا محمد ، من أرسله الله لكافة العالمين بشيرا ونذيرا ، وعلى آله سفن النجاة وكواكب أهل الأرض ، وصحبه أهل العلم والعمل الذين نصروا دين الله بالسيف والمال والأرواح ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد ... فيقول العبد الفقير إليه تعالى ، الطاهر بن محمد بن سليمان ، الأشعري عقيدة ، المالكي مذهبا ، البدوي السطوحي طريقة : هذا كتابي الفقه ، سميته : ( ذخيرة الفقه الكبرى ) ، على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.
فأقول : اعلم أن مبادئ في الفقه عشرة ، نظمها بعضهم :
إن مبادئ كل فن عشرة الحد والموضوع ثم الثمرة وفضله ونسبته والواضع والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل و البعض بالبعض اكتفى ومن دري الجميع حاز الشرفا
قوله : الحد ، حد الشيء تعريفه ، فحد الفقه لغة هو الفهم ، وفي الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية المأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع والقياس . وموضوعه : العبادات والمعاملات من واجبات وسنن ورغائب وفضائل . وثمرته : تقوى الله . وفضله : أفضل العلوم بعد التوحيد . وقد جاء في فضله أحادیث كثيرة سأذكر لك بعضا منها في المقدمة . ونسبته : فرع العلوم إذ الأصل للعلوم التوحيد . وواضعه : من ناحية الاجتهاد مالك وأضرابه كالإمام أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين .
وهؤلاء هم المجتهدون الذين أخذ عنهم ساداتنا الأحكام الفقهيه كل في مذهبه بين مجتهد في ترجيح الأحكام في المذهب ، کابن القاسم ، وابن كنانة ، وابن وهب ، وعبد الوهاب ، وسحنون الأفريقي فهؤلاء أئمة المذهب ، و مجتهدون في استخلاص الفتوى كالعلامة خليل أبي الضياء ، والشيخ الأجهوري ، والشيخ العدوي ، والشيخ محمد عليش ، والمتفقهون والفقهاء ، وكذلك الأئمة أبو حنيفة وتابعوه ، والإمام الشافعي وتابعوه والإمام أحمد بن حنبل وتابعوه . فهم عدول فيما استنبطوه واستخرجوه من الكتاب والسنة ، وقد انعقد الإجماع على عدالتهم ، وكذلك انعقد الإجماع على جواز التقليد لأي إمام منهم . وكذلك انعقد الإجماع على تحريم الخروج على الأربعة ، فكل من خرج على الأربعة فهو ضال مضل قد خرق الإجماع وسلك طريق الابتداع ؛ أفاد ذلك الشيخ محمد الباجوري ، وكذلك الشيخ محمد عليش ، والقطب الدرديري . والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم وهو قوله : اما اجتمعت أمتي على ضلالة ، يد الله مع الجماعة من شذ شد في النار » .
حکمه : فرض عين على كل مكلف في ما يحتاج له المكلف من تصحیح عمل المفروض عليه بعينه كصلاة وصوم وزكاة ، إن كان عليه ، والبيوع إن قدم عليها . ففي الحديث : « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » . وأيضا قوله : « اطلبوا العلم ولو بأرض الصين . والأحاديث التي وردت في وجوبه كثيرة ، وكيف لا ؟ وإن الصلاة والصوم والزكاة والحج فرائض عينية ، وما توقف عليه معرفتها فهو واجب . ومن عمل عملا بغير علم بطل عمله بالإجماع ولم يزدد من الله إلا بعدا . واسمه : علم الفقه ، وعلم الحلال والحرام ، وعلم الفهم ، وعلم الفروع ، وعلم المعاملات والعبادات . واستمداده : من الكتاب والسنة والقياس والإجماع . وعندنا معاشر المالكية ستة عشر أصلا أي دلية تنبني عليها أدلة المذهب ومسائله وقضاياه الباحثة عن الواجبات والمندوبات والمحرمات والمكروهات والمباحات .
في بيان المصطلح
والمصطلح : هو كناية عن أوضاع ونظم للفقهاء يمشون عليها . وتقديم الراجح مطلقا على المشهور ، والأشهر على المشهور ، والمذهب على المشهور ، والصحيح والراجح مترادفان کما إن المشهور والمذهب مترادفان . فإن اجتمع الأربعة فيقدم الصحيح ، ثم المذهب ، ثم الأشهر ، ثم المشهور . فإن اجتمع قولان مشهوران فبأيهما أخذت فأنت ناج . والراجح ما قوي دليله . والمشهور ما کثر قائله . والمذهب ما كان عليه أغلب ( الرواة ) . والأشهر ما كان أكثر ( الرواة ) من المشهور . والضعيف يقابله الراجح . والشاذ يقابل المشهور والأشهر . والغريب يقابل المذهب .لا يجوز العمل ولا القضاء ، ولا الفتوى بضعیف ، أو شاذ ، أو غریب ، فإذا وقع ونزل فالعمل باطل ، وكذلك الفتوى والقضاء ، وفسخ كل من الفتوى والقضاء . والمراد من الضعيف هو : الذي اشتد ضعفه ، وإذا لم يشتد ضعفه يجوز العمل به بشرطين إن كانت هناك ضرورة ولم يشتد ضعفه . وأما الاستظهار فلا يعد نصاً إلا إذا استند إلى عرف أو جری به عمل ، وكذلك يجوز العمل بما جرى به العرف لكن يشترط أن يأذن فيه الشارع . وكذلك تقدم رواية ابن القاسم على أشهب ، ورواية المصريين على المغاربة ، ورواية المدنيين على المصريين ، ورواية المغاربة على العراقيين ، ثم العراقيين على بقية أهل المذهب . فأصحاب الإمام مالك أربعة : - المصريون من المالكية كابن القاسم وأشهب - وأهل المدينة من المالكية كابن كنانة - والمغاربة كسحنون الإفريقي . - والعراقيون كعبد الوهاب .
فصل في فضل العلم والعلماء وطلبة العلم
قال الله تعالى : {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}سورة طه - الآية 114
وقال تعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر: 9]
وقال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]
وقال تعالى :{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
وعن معاوية قال : قال رسول الله : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدین » . وعن ابن مسعود انه قال : قال رسول الله : « لا حسد إلا في اثنين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها » . متفق عليه . والمراد بالحسد : الغبطة ، وهو أن يتمنى مثله . وعن أبي موسی نه قال : قال النبي ﷺ : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنها قيعان لا تمسك ماء ولا تنب كلا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به » متفق عليه . وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لعلي رضي الله عنه : « فو الله لأن مهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » متفق عليه . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص نه أن النبي ﷺ قال : « بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ، ، رواه البخاري . وعن أبي هريرة عنه أن رسول الله قال : « ومن سلك طريقا يلتمس فيه على سهل الله له به طريقا إلى الجنة " رواه مسلم . وعنه أيضا عنه عن أن رسول الله ﷺ قال : « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا » رواه مسلم وعنه قال : قال رسول الله : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » رواه مسلم . وعنه قال : سمعت رسول الله يقول : « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم أو متعلم رواه الترمذي وقال : حدیث حسن . وعن أنس عنه قال : قال رسول الله : « من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع » رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وعن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله ﷺ قال : « لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة » رواه الترمذي . وعن أبي أمامة ظنه أن رسول الله ﷺ قال : « فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم » ثم قال رسول الله : « إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير » رواه الترمذي . وعن أبي الدرداء أنه قال : قال سمعت رسول الله يقول : « من سلك طريقا يبتغي فيه علا سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة التضع أجنحتها لطالب العلم رضا بها يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » رواه أبو داود والترمذي .
وعن ابن مسعود عنه قال : سمعت رسول الله يقول : « نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى من سامع . وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار » رواه أبو داود . وعنه قال : قال رسول الله « من تعلم على ما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة » يعني : ريحها . وعن عبد الله بن عمر بن العاص نه قال : سمعت رسول الله * يقول : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا » . ولقد ذكر صاحب الرسالة القشيرية في فضل العالم صاحب العلوم المتعدية على الولي الخاشع المنکسر الذي ثبتت ولايته عندما سئل مالك أيهما أفضل فأجاب الإمام مالك بأن العالم أفضل من الولي إذ علمه متعد ونافع لغيره ، قد يفيد جميع العالم . وكذلك الإمام الثوري والإمام أبو حنيفة قد ذهبا إلى أن العالم أفضل من الولي الخاشع .
والمراد بالعالم عالم الآخرة الذي يقصد بعلمه وجه الله عز وجل ولكن المشهور ما ذكره الإمام مالك وأبو حنيفة والثوري . وقد أنشد بعض الصالحين في العلماء وقال : من يشتم العلماء أو يغتابهم يخشى عليه موت عباد الوثن أو ميت قلبه رب الورى فيموت حمارا أو جمل فقد جاء أن لحومهم مسمومة والسم يموت صاحبه بلا سقم وأنشد سیدنا على طلبه في هذا المعنى : ما الفخر إلا لأهل العلم أنهموا على الهدى لمن استهدى أذلاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء من إن العلم عظيم قدره وشريف معناه يزيد بكثرة الإنفاق ، وينقص مع الإشفاق ، وهذه فضيلة جليلة آخذة بآفاق الشرف ، جعلنا الله تعالى أهله القائمين بحقوقه وكرمه . وهذا كافي لمن له سمع وقلب نير وأراد أن يخرج من ظلمة الجهل المكفرة لصاحبها إذ الجهل أصل الكفر لأنه مشتق من جاهلية قريش . وقد سمينا كتابنا هذا بالذخيرة لرؤية نبوية ، وقصة الرؤيا أنه في ليلة كان أحد تلامذتي ويدعي عبد الله يوسف وكنت أمليته من هذا الكتاب وكان يطالع فيه حتی نام فرأى المصطفی ﷺ أبيضا مشرب بحمرة فأشار إلى الكتاب و كان بيده فقال له : « عليك بهذه الذخيرة » فعلم من ذلك أن هذا إذن في نشرها واسمها . وقد قمنا بذلك ، وأيضا لكل من قرأها وحفظها وعمل بما جاء فيها . نسأل الله عز وجل لنا ولهم العفو والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة . وأرجو لكل مطلع على هذا الكتاب أن يلتمس لي العذر ، إذ لا يخلو مصنف من هفوات و نقص وأسأله أن ينظر فيه بعين الرضا والصواب وما من نقص إلا كمله . والحمد لله رب العالمين آمين .
ذخيرة الفقه الباب الأول :
الطهارة
فصل في الأعيان الطاهرة
فصل في الأعيان النجسة
فصل تجب إزالة النجاسة
فصل العفو عما يعسر کساس لازم
فصل الاستبراء
فصل في الاستنجاء
فصل الاستجار
فصل في آداب قضاء الحاجة
فصل في الوضوء
فصل في فرائض الوضوء
فصل في نواقض الوضوء
فصل في الغسل
فصل في موجبات الغسل
فصل في التيمم
فصل في المسح على الخفين وأحكامه فصل في جواز مسح بعض أعضاء
فصل في الحيض
فصل في دم النفاس
الباب الأول
فصل في الطهارة
الباب لغة هو :-
ما يتوصل به إلى غيره ، ای ، بمعنى أنه فرجة في ساتر
و في الاصطلاح : اسم الطائفة من المسائل المشتركه في أمر او حكم
والفصل هو الحاجز بين الشيئين ، وبعضهم يقول وصل بدل فصل ، وهذا تعريفة من ناحية اللغة .
أما من ناحية اصطلاح العلماء فهو اسم الطائفة من مسائل الفن المندرج تحت باب أو كتاب ،
وحكمة تبويب الكتب وتفصيلها
لئلا يسأم الطالب أو المدرس من الطول .
والطهارة صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث .
تعريف الطهارة لغة واصطلاحا:
الطهارة لغة هي :النظافة من الأوساخ الحسية والمعنوية .
وفي الاصطلاح: صفة اعتبارية ، والصفة ما ليس بذات تشمل صفات المعاني والمعنوية والنفسية والسلبية ، وبقولنا اعتبارية خرجت صفات المعاني والمعنوية والسلبية ، وهي حال عند من يقول بالحال ، واعتبار عند من يقول بالاعتبار . ومعنی قولنا حکمية حكم بها الشارع وجودا وعدما ، وجودا كتحصيلها وعدما كالنواقض ومعنی قولنا يستباح بها : السين والتاء للطلب أي لطلب الإباحة .
واعلم أن الطهارة تنقسم إلى قسمين: حدثية وخبثية ،
فالحدثية على قسمين:
صغری و کبری
وكذلك الطهارة إما مائية أو ترابية ، فهذه ستة . وفي كل إما اختيارية أو اضطرارية : فالاختيارية:
كمسح الخفين . والاضطرارية: كالمسح على الجبيرة و كالتيمم ، فهذه ثمانية . وفي كل من البدل إما بعض من الكل أو الكل ، فالكل كالوضوء والغسل ،
والبعض کالمسح على الجبيرة والخفين فهذه عشرة مضروبات في أربعة والمراد بالأربعة المطهرات
، وهي : الماء والتراب والدابغ والإحراق . فما عين فيها الماء لا يطهر بتراب ولا بدابغ كبول انتشر . وما عين فيه الدابغ لا يطهر بتراب ولا ماء کجلد الميتة . وما عين فيه الإحراق لا يطهر بهاء ولا تراب ولا بدابغ كعظام الميتة .
اعلم أن الحدث ينقسم إلى قسمين
أصغر وأكبر .
فالأكبر:
هو المنع المترتب على جميع الأعضاء وهو الجنابة .
والأصغر:
هو المنع المترتب على أعضاء مخصوصة كنواقض الوضوء .
واعلم أن الحدث الأكبر لا يقوم إلا بمكلف . وأما الحدث الأصغر فإنه يقوم بالمكلف وغيره وكذلك الخبث يقوم بالمكلف وغيره .
واعلم أن موانع الحدث الأصغر ثلاثة:-
الصلاة وإن سجدة ، ومس المصحف ، والطواف ولو لوداع .
وموانع الحدث الأكبر خمسة:-
هذه الثلاثة المذكورة ، ويزيد عليها التلاوة رأسا ، إلا للإستدلال ، أو تعوذ ، أو رقية . المسألة الثانية دخول المسجد وإن جوازا ، أو مرورا ، فتحصل أن موانع الحدث الأكبر خمسة والأصغر ثلاثة .
قوله الخبث:-
اعلم أن الخبث هو عين النجاسة ، والحدث إشارة للخارج ،
فموانع الخبث ثلاثة:-
الصلاة والطواف والمكوث في المسجد ، أما الواو للاستئناف لا للعطف . وبقوله أو حكم الخبث .
فالأصول سبعة أتت وهي:
« حدث » و « خبث » و « نجس » و « متنجس » تطهير » و « تنجيس » و « طهارة » .
(فالحدث ):
هو صفة تمنع صاحبها عن التلبس بالصلاة والطواف و مس المصحف .
و *( الخبث):* صفة اعتبارية تمنع صاحبها عن التلبس بالصلاة والطواف والمكوث في المسجد وهو عين النجاسة .
و ( نجس ): هو سقوط النجاسة على موضع طاهر .
و ( متنجس ): هو اختلاط النجاسة بهاء و اختلاف أحد أوصافه الثلاثة .
و ( تنجيس): هو تصيير الطاهر نجس .
( تطهير ): هو إزالة النجاسة بالماء المطلق .
و ( طهارة ): وهي صفة اعتبارية ترخص لموصوفها الدخول في الصلاة والطواف والمكوث في المسجد .
و ( الطهارة ): وهي صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حکم الخبث وتعريفنا لها أولى من تعريف الشيخ ابن عرفة وأشمل وأوضح وأعم .
باب يرفع الحدث والخبث بالماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة من لون أو طعم أو رائحة بها يفارقه غالبا من طاهر أو نجس بملاصق أو مخالط
لامجاور . ش : يعني أن الحدث وحكم الخبث يرتفعان رفعا مجازيا بسبب الماء وحقيقيا من الله عز وجل .
قوله

ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد ): فخرج باسم الماء المائعات من سمن وعسل ولبن والمعصورات ودخلت جميع المياه المتغيرة من ماء الزرجون وماء الورد والياسمين وماء الليمون .
وبقولنا ( بلا قید ): خرجت جميع المياه المتغيرة . والمراد بالقيد المغير للون والطعم والرائحة ، فمفهوم المنطوق الماء الناقع الباقي على فطرته وخلقته . أفاده الشيخ علي الصعيدي العدوي . وهل ما بين المطلق والطهور ترادف وتلازم أو المطلق أخص والطهور أعم ؟ والمشهور الأول .
قولنا

ما لم يتغير ) يعني : أن الماء يجوز التطهير به ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة ، من لون أو طعم أو رائحة ، يقينا أو ظنا ، هذه اثنين في ثلاثة بستة ، وفي كل من الستة كان المغير طاهرا أو نجسا فهذه اثنين مضروبات في ستة باثني عشر . ثم لا يخلو المغير : إما مخالط أو ملاصق مضروبات في اثنين بأربعة وعشرين صورة .
التغير في العبادات : إذا كان المغير طاهرا فالماء طاهر وإذا كان المغير نجسا فالماء نجس ، لكن لا يجوز استعماله في اثني عشر صورة لا في العادات ولا في العبادات ، فإن كان المغير طاهرا يجوز استعماله في العادات دون العبادات .
والمراد بالعادات: کالأكل ، والشرب ، والطبخ ، والخبز ، والغسيل ، والتمسح .
والمراد بالعبادات: کالوضوء ، والغسل ، والاستنجاء ، وإزالة النجاسة ،ومسح خف وجبيرة ، فيمنع استعماله في الأربعة والعشرين صورة في العبادات مطلقا . ويجوز استعماله في اثني عشر صورة في العادات الستة ومنع استعماله في اثني عشرة صورة في العبادات إن كان المغير نجسا .
قوله ( لا مجاور ) : أي لا يضر تغيره بمجاور ویعفی عن الرائحة فقطع . کفل على شباك ( قله ) من غير التصاق العروق بالماء ، ثم تكيف الماء من رائحته .. أو كجيفة مطروحة على شاطئ نهر ثم تكيف الماء برائحتها . أو كأواني بمطبخ مملوءة ماء ومر عليها الدخان فتكيف به . أو كإناء بخر بمستك لكن بشرط ذهاب الدخان . أو كطيب بید جافة فتكيف الماء فهذه خمسة مواضع التغير فيها بمجاور سواء شك في التغير أو ظنه أو توهمه أو تیقنه ، هذه أربعة صور مضروبة في ثلاثة : اللون والطعم والرائحة بائني عشر صورة ، ثم الإثني عشرة مضروبة في خمسة فحاصل الصور ستون صورة . وقيل العفو عن الرائحة فقط وهذا ما عليه القطب الدرديري وغيره . وهل العفو عن اللون والطعم والرائحة بناء على أن المجاور من الملازم وهو ما عليه الشيخ محمد عليش فعلى ذلك العفو في ستين صورة . من رائحته .
أما المخالط والملاصق : وفي كل إما أن يكون المغير طاهرا أو نجسا فهذه أربعة مضروبة في ثلاثة باثني عشر صورة ، ثم الإثني عشر صورة مضروبة في أربعة بثمانية وأربعين صورة ، والأربعة تحقق التغير ، أو ظنه أو شك أو توهم فإن تحقق التغير أو ظنه يسلب الطهورية في أربعة وعشرين صورة ، فإن كان التغير بنجس سلب الطهورية والطهارية معا في اثني عشرة صورة . وإن كان المغير طاهر سلب الطهورية دون الطهارية ، وإن شك في التغيير أو توهم فالماء طهور في أربعة وعشرون صورة فالحاصل أن بين الملاصق والمخالط والمجاور مائة وثمانية عشرة صورة . ثم انتقل يتكلم على المبالغة والإطلاق فقال : الماء المطلق هو : ماصدق عليه اسم ماء بلا قيد إن كان باق على فطرته وعلى خلقته . ص- وإن جمع من ندي ، أو ذاب بعد جموده ، أو فضلة حائضي أو جنب ، أو فضلة طهارتيهما ، أو شك في مغيره ، وهل يضر أو فيما جعل في الفم أو سؤر بهيمة ، وإن محرمه غير جلاله أو تغير بدابغ كقطران إن رسب ، وفي عفوه الإصلاح في اللون والطعم والرائحة تأويلان ، أو في ماء خلط بموافق له . يعني إذا خلط الماء بموافق له کماء الزرجون وهو الماء المعلب ، أو ماء الرياحين المنقطع عن الروائح ، سواء كان -أي ماء الرياحين مثل المطلق أو أقل أو أكثر ، هذه ثلاثة وفي كل من الثلاثة كانت الأواني مثل أواني الوضوء
أو أقل أو أكثر ، فهذه تسعة من ضرب الثلاثة في مثلها ثم التسعة مضروبة في أربعة بستة وثلاثين والأربعة هي تيقن أو ظن أو شك أو توهم في الجميع الماء طهورا . أو بما طرح فيه ولو قصدا ) : يعني إذا طرح في الماء من معادن الأرض من تراب ، أو رمل ، أو طين ، أو کبریت ، أو حمأة ، أو زرنیخ ، أو جير ، أو ملح ، غير مصنوعين وكعطرون ، وشب ، وكحل ، ونحاس ، وحديد ، ورصاص ، وذهب ، وفضة ، وحجارة نفيسة ، وإن طرحت قصدا - أي الجميع ، وإن غيرت اللون أو الطعم أو الرائحة ، يعني أن معادن الأرض عشرون معدن وإن غيرت الماء طعما أو رائحة أو لونا فهذه ثلاثة مضروبة في العشرين بستين . ثم في كل من الستين کان طرحها في الماء عمدا ، أو جهة ، أو نسيانا ، أو غلبة ، فهذه أربعة مضروبة في الستين بائتين وأربعين صورة ، ثم المائتين وأربعين مضروبة في أربعة بتسعمائة وستون صورة ، والأربعة هي : تحقق التغير ، أو ظنه ، أو توهم ، أو شك ، فيجوز في الجميع استعماله في العبادات .
و ( کره ماء يسير استعمل في حدث ): يعني : ۱ : أن الماء اليسير يكره استعماله بشروط ثلاثة إن كان يسيره ووجد غيره ، واستعمل في حدث لا خبث ، وألا يفرغ عليه ماء يسير ، وهذا شرط رابع وماء يسير حلت فيه نجاسة ، إن وجد غيره واستعمله في وضوء أو غسل إلا يفرغ عليه ماء ، وماء يسير ولغ فيه كلب ووجد غيره واستعمله في وضوء أو غسل ۔ وماء مشمس بقطر ساخن بأوان من نحاس وكراهته مطلقا وجد غيره أو لم يجد غيره ، وماء راکد مات فيه بري من من ما ميتته نجسة ذو نفس سائلة ينزح منه مقدار يظن به إزالة الفضلات ، وماء راكد عادة الناس الاغتسال فيه كره منه الوضوء ، وكسور مدمن خمر أو جلاله . وکماء بارد في شدة البرد ، و کساخن في شدة السخانة ، فهذه عشرة كلها من المياه المكروهة .
أما المياه المحرمة فهي سبعة:-
حرم ماء مغصوب ، کماء بأواني من ذهب أو فضة ، وكاء مسبل للشراب إن علم ، وكآبار ثمود وعاد و لوط وتبع ، والبئر الذي وضع فيها السحر لرسول الله ، ويحرم استعمالها شراباً ووضوءاً ، فمن مسها مسه العذاب في حينه .
وجاز وضوء من بئر ناقة سيدنا صالح ، وندب من زمزم ، و کره الاستنجاء منها لأنه يورث البرص
(حكمه كمغيره ):يعني : أن الماء حكمه كمغيره ، فإن كان المغير طاهر فالماء طاهر كان ملاصقا أو مخالطا ، وفي كل كان المتغير لونا أو طعا أو رائحة ، هذه ثلاثة مضروبة في اثنين بستة ، وسواء تحقق التغير أو ظنه ، فهذه اثنين مضروبة في ستة باثني عشر ، سواء كان عمدا ، أو جهلاً ، أو غلبة ، أو نسياناً ، من ضرب الاثني عشر في أربعة بثانية وأربعين صورة ، ففي الجميع الماء طاهر غير طهور . أما إن شك في التغير ؛ ففي اثنين وأربعين صورة الماء طهور . وإن كان المغير نجسا ، سواء كان ملاصقا ، أو مخالطا ، كان التغير لونا ، أو طعا ، أو رائحة ، فهذه اثنين في ثلاثة بستة ، ثم في كل من الستة تحقق التغير أو ظنه ، فهذه اثنين من ضرب اثنين في الستة باثني عشر صورة ، وفي كل عمداً ، أو جهلاً ، أو ناسياً ، أو غلبة ، من ضرب الاثني عشر في أربعة بثمانية وأربعين صورة ، فالماء نجس في كل الصور لا يستعمل في عادة ولا عبادة ..
ص- قوله ( إن زال تغير متنجس بغير القاء طاهر فيه لم يطهر ) . ش- يعني إذا كان الماء متنجسا وزال تغير النجاسة من طول المدة والمكث بلا إلقاء طاهر فيه لم يطهر الماء على المشهور ، أما إذا كان بإلقاء طاهر فيه من تراب أو طين وزال التغير فقد طهر الماء ، بخلاف ما إذا كان الماء متغيرا بطاهر ، وزال التغير بطول المكث فقد طهر الماء اتفاقا ۔ فالأقسام ثلاث
القسم الأول : إن زال التغير بنجس من طول مدة المكث فلا يطهر
القسم الثاني : إن زال بإلقاء طاهر فيه فقد طهر اتفاقا .
القسم الثالث : إذا كان الماء متغيرا بطاهر وزال التغير بطول مدة المكث فقد طهر اتفاقا . وهذا آخر كلامنا على الماء والله أعلم .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: صالح محمد
ذخيرة الفقه الكبرى
على مذهب الإمام مالك بن أنس الفضيلة مولانا العالم العلامة الشيخ الطاهر محمد سليمان الأشعري عقيدة المالكي مذهبا البدوي السطوحي طريقة
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية ذاتا وصفة و فعلا ، من لا إله غيره يعبد بحق ، وهو المنفرد بالإيجاد والإعدام . نحمده أبرز العالم من العدم إلى الوجود على وفق العلم والإرادة ؟ سبحانه تنزه عن كل شريك ونظير وشبيه ومثيل ، وتنزه عن كل نقص واتصف بکل کال . والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، الناطق بالصدق ، السراج المنير ، سيد ولد آدم أجمعين ، سيدنا محمد ، من أرسله الله لكافة العالمين بشيرا ونذيرا ، وعلى آله سفن النجاة وكواكب أهل الأرض ، وصحبه أهل العلم والعمل الذين نصروا دين الله بالسيف والمال والأرواح ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد ... فيقول العبد الفقير إليه تعالى ، الطاهر بن محمد بن سليمان ، الأشعري عقيدة ، المالكي مذهبا ، البدوي السطوحي طريقة : هذا كتابي الفقه ، سميته : ( ذخيرة الفقه الكبرى ) ، على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.
فأقول : اعلم أن مبادئ في الفقه عشرة ، نظمها بعضهم :
إن مبادئ كل فن عشرة الحد والموضوع ثم الثمرة وفضله ونسبته والواضع والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل و البعض بالبعض اكتفى ومن دري الجميع حاز الشرفا
قوله : الحد ، حد الشيء تعريفه ، فحد الفقه لغة هو الفهم ، وفي الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية المأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع والقياس . وموضوعه : العبادات والمعاملات من واجبات وسنن ورغائب وفضائل . وثمرته : تقوى الله . وفضله : أفضل العلوم بعد التوحيد . وقد جاء في فضله أحادیث كثيرة سأذكر لك بعضا منها في المقدمة . ونسبته : فرع العلوم إذ الأصل للعلوم التوحيد . وواضعه : من ناحية الاجتهاد مالك وأضرابه كالإمام أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين .
وهؤلاء هم المجتهدون الذين أخذ عنهم ساداتنا الأحكام الفقهيه كل في مذهبه بين مجتهد في ترجيح الأحكام في المذهب ، کابن القاسم ، وابن كنانة ، وابن وهب ، وعبد الوهاب ، وسحنون الأفريقي فهؤلاء أئمة المذهب ، و مجتهدون في استخلاص الفتوى كالعلامة خليل أبي الضياء ، والشيخ الأجهوري ، والشيخ العدوي ، والشيخ محمد عليش ، والمتفقهون والفقهاء ، وكذلك الأئمة أبو حنيفة وتابعوه ، والإمام الشافعي وتابعوه والإمام أحمد بن حنبل وتابعوه . فهم عدول فيما استنبطوه واستخرجوه من الكتاب والسنة ، وقد انعقد الإجماع على عدالتهم ، وكذلك انعقد الإجماع على جواز التقليد لأي إمام منهم . وكذلك انعقد الإجماع على تحريم الخروج على الأربعة ، فكل من خرج على الأربعة فهو ضال مضل قد خرق الإجماع وسلك طريق الابتداع ؛ أفاد ذلك الشيخ محمد الباجوري ، وكذلك الشيخ محمد عليش ، والقطب الدرديري . والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم وهو قوله : اما اجتمعت أمتي على ضلالة ، يد الله مع الجماعة من شذ شد في النار » .
حکمه : فرض عين على كل مكلف في ما يحتاج له المكلف من تصحیح عمل المفروض عليه بعينه كصلاة وصوم وزكاة ، إن كان عليه ، والبيوع إن قدم عليها . ففي الحديث : « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » . وأيضا قوله : « اطلبوا العلم ولو بأرض الصين . والأحاديث التي وردت في وجوبه كثيرة ، وكيف لا ؟ وإن الصلاة والصوم والزكاة والحج فرائض عينية ، وما توقف عليه معرفتها فهو واجب . ومن عمل عملا بغير علم بطل عمله بالإجماع ولم يزدد من الله إلا بعدا . واسمه : علم الفقه ، وعلم الحلال والحرام ، وعلم الفهم ، وعلم الفروع ، وعلم المعاملات والعبادات . واستمداده : من الكتاب والسنة والقياس والإجماع . وعندنا معاشر المالكية ستة عشر أصلا أي دلية تنبني عليها أدلة المذهب ومسائله وقضاياه الباحثة عن الواجبات والمندوبات والمحرمات والمكروهات والمباحات .
في بيان المصطلح
والمصطلح : هو كناية عن أوضاع ونظم للفقهاء يمشون عليها . وتقديم الراجح مطلقا على المشهور ، والأشهر على المشهور ، والمذهب على المشهور ، والصحيح والراجح مترادفان کما إن المشهور والمذهب مترادفان . فإن اجتمع الأربعة فيقدم الصحيح ، ثم المذهب ، ثم الأشهر ، ثم المشهور . فإن اجتمع قولان مشهوران فبأيهما أخذت فأنت ناج . والراجح ما قوي دليله . والمشهور ما کثر قائله . والمذهب ما كان عليه أغلب ( الرواة ) . والأشهر ما كان أكثر ( الرواة ) من المشهور . والضعيف يقابله الراجح . والشاذ يقابل المشهور والأشهر . والغريب يقابل المذهب .لا يجوز العمل ولا القضاء ، ولا الفتوى بضعیف ، أو شاذ ، أو غریب ، فإذا وقع ونزل فالعمل باطل ، وكذلك الفتوى والقضاء ، وفسخ كل من الفتوى والقضاء . والمراد من الضعيف هو : الذي اشتد ضعفه ، وإذا لم يشتد ضعفه يجوز العمل به بشرطين إن كانت هناك ضرورة ولم يشتد ضعفه . وأما الاستظهار فلا يعد نصاً إلا إذا استند إلى عرف أو جری به عمل ، وكذلك يجوز العمل بما جرى به العرف لكن يشترط أن يأذن فيه الشارع . وكذلك تقدم رواية ابن القاسم على أشهب ، ورواية المصريين على المغاربة ، ورواية المدنيين على المصريين ، ورواية المغاربة على العراقيين ، ثم العراقيين على بقية أهل المذهب . فأصحاب الإمام مالك أربعة : - المصريون من المالكية كابن القاسم وأشهب - وأهل المدينة من المالكية كابن كنانة - والمغاربة كسحنون الإفريقي . - والعراقيون كعبد الوهاب .
فصل في فضل العلم والعلماء وطلبة العلم
قال الله تعالى : {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}سورة طه - الآية 114
وقال تعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر: 9]
وقال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]
وقال تعالى :{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
وعن معاوية قال : قال رسول الله : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدین » . وعن ابن مسعود انه قال : قال رسول الله : « لا حسد إلا في اثنين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها » . متفق عليه . والمراد بالحسد : الغبطة ، وهو أن يتمنى مثله . وعن أبي موسی نه قال : قال النبي ﷺ : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنها قيعان لا تمسك ماء ولا تنب كلا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به » متفق عليه . وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لعلي رضي الله عنه : « فو الله لأن مهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » متفق عليه . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص نه أن النبي ﷺ قال : « بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ، ، رواه البخاري . وعن أبي هريرة عنه أن رسول الله قال : « ومن سلك طريقا يلتمس فيه على سهل الله له به طريقا إلى الجنة " رواه مسلم . وعنه أيضا عنه عن أن رسول الله ﷺ قال : « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا » رواه مسلم وعنه قال : قال رسول الله : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » رواه مسلم . وعنه قال : سمعت رسول الله يقول : « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم أو متعلم رواه الترمذي وقال : حدیث حسن . وعن أنس عنه قال : قال رسول الله : « من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع » رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وعن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله ﷺ قال : « لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة » رواه الترمذي . وعن أبي أمامة ظنه أن رسول الله ﷺ قال : « فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم » ثم قال رسول الله : « إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير » رواه الترمذي . وعن أبي الدرداء أنه قال : قال سمعت رسول الله يقول : « من سلك طريقا يبتغي فيه علا سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة التضع أجنحتها لطالب العلم رضا بها يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » رواه أبو داود والترمذي .
وعن ابن مسعود عنه قال : سمعت رسول الله يقول : « نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى من سامع . وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار » رواه أبو داود . وعنه قال : قال رسول الله « من تعلم على ما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة » يعني : ريحها . وعن عبد الله بن عمر بن العاص نه قال : سمعت رسول الله * يقول : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا » . ولقد ذكر صاحب الرسالة القشيرية في فضل العالم صاحب العلوم المتعدية على الولي الخاشع المنکسر الذي ثبتت ولايته عندما سئل مالك أيهما أفضل فأجاب الإمام مالك بأن العالم أفضل من الولي إذ علمه متعد ونافع لغيره ، قد يفيد جميع العالم . وكذلك الإمام الثوري والإمام أبو حنيفة قد ذهبا إلى أن العالم أفضل من الولي الخاشع .
والمراد بالعالم عالم الآخرة الذي يقصد بعلمه وجه الله عز وجل ولكن المشهور ما ذكره الإمام مالك وأبو حنيفة والثوري . وقد أنشد بعض الصالحين في العلماء وقال : من يشتم العلماء أو يغتابهم يخشى عليه موت عباد الوثن أو ميت قلبه رب الورى فيموت حمارا أو جمل فقد جاء أن لحومهم مسمومة والسم يموت صاحبه بلا سقم وأنشد سیدنا على طلبه في هذا المعنى : ما الفخر إلا لأهل العلم أنهموا على الهدى لمن استهدى أذلاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء من إن العلم عظيم قدره وشريف معناه يزيد بكثرة الإنفاق ، وينقص مع الإشفاق ، وهذه فضيلة جليلة آخذة بآفاق الشرف ، جعلنا الله تعالى أهله القائمين بحقوقه وكرمه . وهذا كافي لمن له سمع وقلب نير وأراد أن يخرج من ظلمة الجهل المكفرة لصاحبها إذ الجهل أصل الكفر لأنه مشتق من جاهلية قريش . وقد سمينا كتابنا هذا بالذخيرة لرؤية نبوية ، وقصة الرؤيا أنه في ليلة كان أحد تلامذتي ويدعي عبد الله يوسف وكنت أمليته من هذا الكتاب وكان يطالع فيه حتی نام فرأى المصطفی ﷺ أبيضا مشرب بحمرة فأشار إلى الكتاب و كان بيده فقال له : « عليك بهذه الذخيرة » فعلم من ذلك أن هذا إذن في نشرها واسمها . وقد قمنا بذلك ، وأيضا لكل من قرأها وحفظها وعمل بما جاء فيها . نسأل الله عز وجل لنا ولهم العفو والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة . وأرجو لكل مطلع على هذا الكتاب أن يلتمس لي العذر ، إذ لا يخلو مصنف من هفوات و نقص وأسأله أن ينظر فيه بعين الرضا والصواب وما من نقص إلا كمله . والحمد لله رب العالمين آمين .
ذخيرة الفقه الباب الأول :
الطهارة
فصل في الأعيان الطاهرة
فصل في الأعيان النجسة
فصل تجب إزالة النجاسة
فصل العفو عما يعسر کساس لازم
فصل الاستبراء
فصل في الاستنجاء
فصل الاستجار
فصل في آداب قضاء الحاجة
فصل في الوضوء
فصل في فرائض الوضوء
فصل في نواقض الوضوء
فصل في الغسل
فصل في موجبات الغسل
فصل في التيمم
فصل في المسح على الخفين وأحكامه فصل في جواز مسح بعض أعضاء
فصل في الحيض
فصل في دم النفاس
الباب الأول
فصل في الطهارة
الباب لغة هو :-
ما يتوصل به إلى غيره ، ای ، بمعنى أنه فرجة في ساتر
و في الاصطلاح : اسم الطائفة من المسائل المشتركه في أمر او حكم
والفصل هو الحاجز بين الشيئين ، وبعضهم يقول وصل بدل فصل ، وهذا تعريفة من ناحية اللغة .
أما من ناحية اصطلاح العلماء فهو اسم الطائفة من مسائل الفن المندرج تحت باب أو كتاب ،
وحكمة تبويب الكتب وتفصيلها
لئلا يسأم الطالب أو المدرس من الطول .
والطهارة صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث .
تعريف الطهارة لغة واصطلاحا:
الطهارة لغة هي :النظافة من الأوساخ الحسية والمعنوية .
وفي الاصطلاح: صفة اعتبارية ، والصفة ما ليس بذات تشمل صفات المعاني والمعنوية والنفسية والسلبية ، وبقولنا اعتبارية خرجت صفات المعاني والمعنوية والسلبية ، وهي حال عند من يقول بالحال ، واعتبار عند من يقول بالاعتبار . ومعنی قولنا حکمية حكم بها الشارع وجودا وعدما ، وجودا كتحصيلها وعدما كالنواقض ومعنی قولنا يستباح بها : السين والتاء للطلب أي لطلب الإباحة .
واعلم أن الطهارة تنقسم إلى قسمين: حدثية وخبثية ،
فالحدثية على قسمين:
صغری و کبری
وكذلك الطهارة إما مائية أو ترابية ، فهذه ستة . وفي كل إما اختيارية أو اضطرارية : فالاختيارية:
كمسح الخفين . والاضطرارية: كالمسح على الجبيرة و كالتيمم ، فهذه ثمانية . وفي كل من البدل إما بعض من الكل أو الكل ، فالكل كالوضوء والغسل ،
والبعض کالمسح على الجبيرة والخفين فهذه عشرة مضروبات في أربعة والمراد بالأربعة المطهرات
، وهي : الماء والتراب والدابغ والإحراق . فما عين فيها الماء لا يطهر بتراب ولا بدابغ كبول انتشر . وما عين فيه الدابغ لا يطهر بتراب ولا ماء کجلد الميتة . وما عين فيه الإحراق لا يطهر بهاء ولا تراب ولا بدابغ كعظام الميتة .
اعلم أن الحدث ينقسم إلى قسمين
أصغر وأكبر .
فالأكبر:
هو المنع المترتب على جميع الأعضاء وهو الجنابة .
والأصغر:
هو المنع المترتب على أعضاء مخصوصة كنواقض الوضوء .
واعلم أن الحدث الأكبر لا يقوم إلا بمكلف . وأما الحدث الأصغر فإنه يقوم بالمكلف وغيره وكذلك الخبث يقوم بالمكلف وغيره .
واعلم أن موانع الحدث الأصغر ثلاثة:-
الصلاة وإن سجدة ، ومس المصحف ، والطواف ولو لوداع .
وموانع الحدث الأكبر خمسة:-
هذه الثلاثة المذكورة ، ويزيد عليها التلاوة رأسا ، إلا للإستدلال ، أو تعوذ ، أو رقية . المسألة الثانية دخول المسجد وإن جوازا ، أو مرورا ، فتحصل أن موانع الحدث الأكبر خمسة والأصغر ثلاثة .
قوله الخبث:-
اعلم أن الخبث هو عين النجاسة ، والحدث إشارة للخارج ،
فموانع الخبث ثلاثة:-
الصلاة والطواف والمكوث في المسجد ، أما الواو للاستئناف لا للعطف . وبقوله أو حكم الخبث .
فالأصول سبعة أتت وهي:
« حدث » و « خبث » و « نجس » و « متنجس » تطهير » و « تنجيس » و « طهارة » .
(فالحدث ):
هو صفة تمنع صاحبها عن التلبس بالصلاة والطواف و مس المصحف .
و *( الخبث):* صفة اعتبارية تمنع صاحبها عن التلبس بالصلاة والطواف والمكوث في المسجد وهو عين النجاسة .
و ( نجس ): هو سقوط النجاسة على موضع طاهر .
و ( متنجس ): هو اختلاط النجاسة بهاء و اختلاف أحد أوصافه الثلاثة .
و ( تنجيس): هو تصيير الطاهر نجس .
( تطهير ): هو إزالة النجاسة بالماء المطلق .
و ( طهارة ): وهي صفة اعتبارية ترخص لموصوفها الدخول في الصلاة والطواف والمكوث في المسجد .
و ( الطهارة ): وهي صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حکم الخبث وتعريفنا لها أولى من تعريف الشيخ ابن عرفة وأشمل وأوضح وأعم .
باب يرفع الحدث والخبث بالماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة من لون أو طعم أو رائحة بها يفارقه غالبا من طاهر أو نجس بملاصق أو مخالط
لامجاور . ش : يعني أن الحدث وحكم الخبث يرتفعان رفعا مجازيا بسبب الماء وحقيقيا من الله عز وجل .
قوله

ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد ): فخرج باسم الماء المائعات من سمن وعسل ولبن والمعصورات ودخلت جميع المياه المتغيرة من ماء الزرجون وماء الورد والياسمين وماء الليمون .
وبقولنا ( بلا قید ): خرجت جميع المياه المتغيرة . والمراد بالقيد المغير للون والطعم والرائحة ، فمفهوم المنطوق الماء الناقع الباقي على فطرته وخلقته . أفاده الشيخ علي الصعيدي العدوي . وهل ما بين المطلق والطهور ترادف وتلازم أو المطلق أخص والطهور أعم ؟ والمشهور الأول .
قولنا

ما لم يتغير ) يعني : أن الماء يجوز التطهير به ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة ، من لون أو طعم أو رائحة ، يقينا أو ظنا ، هذه اثنين في ثلاثة بستة ، وفي كل من الستة كان المغير طاهرا أو نجسا فهذه اثنين مضروبات في ستة باثني عشر . ثم لا يخلو المغير : إما مخالط أو ملاصق مضروبات في اثنين بأربعة وعشرين صورة .
التغير في العبادات : إذا كان المغير طاهرا فالماء طاهر وإذا كان المغير نجسا فالماء نجس ، لكن لا يجوز استعماله في اثني عشر صورة لا في العادات ولا في العبادات ، فإن كان المغير طاهرا يجوز استعماله في العادات دون العبادات .
والمراد بالعادات: کالأكل ، والشرب ، والطبخ ، والخبز ، والغسيل ، والتمسح .
والمراد بالعبادات: کالوضوء ، والغسل ، والاستنجاء ، وإزالة النجاسة ،ومسح خف وجبيرة ، فيمنع استعماله في الأربعة والعشرين صورة في العبادات مطلقا . ويجوز استعماله في اثني عشر صورة في العادات الستة ومنع استعماله في اثني عشرة صورة في العبادات إن كان المغير نجسا .
قوله ( لا مجاور ) : أي لا يضر تغيره بمجاور ویعفی عن الرائحة فقطع . کفل على شباك ( قله ) من غير التصاق العروق بالماء ، ثم تكيف الماء من رائحته .. أو كجيفة مطروحة على شاطئ نهر ثم تكيف الماء برائحتها . أو كأواني بمطبخ مملوءة ماء ومر عليها الدخان فتكيف به . أو كإناء بخر بمستك لكن بشرط ذهاب الدخان . أو كطيب بید جافة فتكيف الماء فهذه خمسة مواضع التغير فيها بمجاور سواء شك في التغير أو ظنه أو توهمه أو تیقنه ، هذه أربعة صور مضروبة في ثلاثة : اللون والطعم والرائحة بائني عشر صورة ، ثم الإثني عشرة مضروبة في خمسة فحاصل الصور ستون صورة . وقيل العفو عن الرائحة فقط وهذا ما عليه القطب الدرديري وغيره . وهل العفو عن اللون والطعم والرائحة بناء على أن المجاور من الملازم وهو ما عليه الشيخ محمد عليش فعلى ذلك العفو في ستين صورة . من رائحته .
أما المخالط والملاصق : وفي كل إما أن يكون المغير طاهرا أو نجسا فهذه أربعة مضروبة في ثلاثة باثني عشر صورة ، ثم الإثني عشر صورة مضروبة في أربعة بثمانية وأربعين صورة ، والأربعة تحقق التغير ، أو ظنه أو شك أو توهم فإن تحقق التغير أو ظنه يسلب الطهورية في أربعة وعشرين صورة ، فإن كان التغير بنجس سلب الطهورية والطهارية معا في اثني عشرة صورة . وإن كان المغير طاهر سلب الطهورية دون الطهارية ، وإن شك في التغيير أو توهم فالماء طهور في أربعة وعشرون صورة فالحاصل أن بين الملاصق والمخالط والمجاور مائة وثمانية عشرة صورة . ثم انتقل يتكلم على المبالغة والإطلاق فقال : الماء المطلق هو : ماصدق عليه اسم ماء بلا قيد إن كان باق على فطرته وعلى خلقته . ص- وإن جمع من ندي ، أو ذاب بعد جموده ، أو فضلة حائضي أو جنب ، أو فضلة طهارتيهما ، أو شك في مغيره ، وهل يضر أو فيما جعل في الفم أو سؤر بهيمة ، وإن محرمه غير جلاله أو تغير بدابغ كقطران إن رسب ، وفي عفوه الإصلاح في اللون والطعم والرائحة تأويلان ، أو في ماء خلط بموافق له . يعني إذا خلط الماء بموافق له کماء الزرجون وهو الماء المعلب ، أو ماء الرياحين المنقطع عن الروائح ، سواء كان -أي ماء الرياحين مثل المطلق أو أقل أو أكثر ، هذه ثلاثة وفي كل من الثلاثة كانت الأواني مثل أواني الوضوء
أو أقل أو أكثر ، فهذه تسعة من ضرب الثلاثة في مثلها ثم التسعة مضروبة في أربعة بستة وثلاثين والأربعة هي تيقن أو ظن أو شك أو توهم في الجميع الماء طهورا . أو بما طرح فيه ولو قصدا ) : يعني إذا طرح في الماء من معادن الأرض من تراب ، أو رمل ، أو طين ، أو کبریت ، أو حمأة ، أو زرنیخ ، أو جير ، أو ملح ، غير مصنوعين وكعطرون ، وشب ، وكحل ، ونحاس ، وحديد ، ورصاص ، وذهب ، وفضة ، وحجارة نفيسة ، وإن طرحت قصدا - أي الجميع ، وإن غيرت اللون أو الطعم أو الرائحة ، يعني أن معادن الأرض عشرون معدن وإن غيرت الماء طعما أو رائحة أو لونا فهذه ثلاثة مضروبة في العشرين بستين . ثم في كل من الستين کان طرحها في الماء عمدا ، أو جهة ، أو نسيانا ، أو غلبة ، فهذه أربعة مضروبة في الستين بائتين وأربعين صورة ، ثم المائتين وأربعين مضروبة في أربعة بتسعمائة وستون صورة ، والأربعة هي : تحقق التغير ، أو ظنه ، أو توهم ، أو شك ، فيجوز في الجميع استعماله في العبادات .
و ( کره ماء يسير استعمل في حدث ): يعني : ۱ : أن الماء اليسير يكره استعماله بشروط ثلاثة إن كان يسيره ووجد غيره ، واستعمل في حدث لا خبث ، وألا يفرغ عليه ماء يسير ، وهذا شرط رابع وماء يسير حلت فيه نجاسة ، إن وجد غيره واستعمله في وضوء أو غسل إلا يفرغ عليه ماء ، وماء يسير ولغ فيه كلب ووجد غيره واستعمله في وضوء أو غسل ۔ وماء مشمس بقطر ساخن بأوان من نحاس وكراهته مطلقا وجد غيره أو لم يجد غيره ، وماء راکد مات فيه بري من من ما ميتته نجسة ذو نفس سائلة ينزح منه مقدار يظن به إزالة الفضلات ، وماء راكد عادة الناس الاغتسال فيه كره منه الوضوء ، وكسور مدمن خمر أو جلاله . وکماء بارد في شدة البرد ، و کساخن في شدة السخانة ، فهذه عشرة كلها من المياه المكروهة .
أما المياه المحرمة فهي سبعة:-
حرم ماء مغصوب ، کماء بأواني من ذهب أو فضة ، وكاء مسبل للشراب إن علم ، وكآبار ثمود وعاد و لوط وتبع ، والبئر الذي وضع فيها السحر لرسول الله ، ويحرم استعمالها شراباً ووضوءاً ، فمن مسها مسه العذاب في حينه .
وجاز وضوء من بئر ناقة سيدنا صالح ، وندب من زمزم ، و کره الاستنجاء منها لأنه يورث البرص
(حكمه كمغيره ):يعني : أن الماء حكمه كمغيره ، فإن كان المغير طاهر فالماء طاهر كان ملاصقا أو مخالطا ، وفي كل كان المتغير لونا أو طعا أو رائحة ، هذه ثلاثة مضروبة في اثنين بستة ، وسواء تحقق التغير أو ظنه ، فهذه اثنين مضروبة في ستة باثني عشر ، سواء كان عمدا ، أو جهلاً ، أو غلبة ، أو نسياناً ، من ضرب الاثني عشر في أربعة بثانية وأربعين صورة ، ففي الجميع الماء طاهر غير طهور . أما إن شك في التغير ؛ ففي اثنين وأربعين صورة الماء طهور . وإن كان المغير نجسا ، سواء كان ملاصقا ، أو مخالطا ، كان التغير لونا ، أو طعا ، أو رائحة ، فهذه اثنين في ثلاثة بستة ، ثم في كل من الستة تحقق التغير أو ظنه ، فهذه اثنين من ضرب اثنين في الستة باثني عشر صورة ، وفي كل عمداً ، أو جهلاً ، أو ناسياً ، أو غلبة ، من ضرب الاثني عشر في أربعة بثمانية وأربعين صورة ، فالماء نجس في كل الصور لا يستعمل في عادة ولا عبادة ..
ص- قوله ( إن زال تغير متنجس بغير القاء طاهر فيه لم يطهر ) . ش- يعني إذا كان الماء متنجسا وزال تغير النجاسة من طول المدة والمكث بلا إلقاء طاهر فيه لم يطهر الماء على المشهور ، أما إذا كان بإلقاء طاهر فيه من تراب أو طين وزال التغير فقد طهر الماء ، بخلاف ما إذا كان الماء متغيرا بطاهر ، وزال التغير بطول المكث فقد طهر الماء اتفاقا ۔ فالأقسام ثلاث
القسم الأول : إن زال التغير بنجس من طول مدة المكث فلا يطهر
القسم الثاني : إن زال بإلقاء طاهر فيه فقد طهر اتفاقا .
القسم الثالث : إذا كان الماء متغيرا بطاهر وزال التغير بطول مدة المكث فقد طهر اتفاقا . وهذا آخر كلامنا على الماء والله أعلم .
فصل في الأعيان الطاهرة
الطاهر الحي:-
من آدمي أو غيره ، وإن كان كلبا أو خنزيرا ، ودمعه ، وعرقه ، ومخاطه ، ولعابه ، وبلغمه ، وبيضه إلا المذر .
ش : ولما فرغ من أقسام المياه وما يتعلق بها ومالها وما عليها انتقل يتكلم على الأعيان الطاهرة ، والأعيان جمع عين أي الذات والجرم . اعلم أن الأصل في الأشياء الطهارة ، والنجاسة طارئة ،
فأصول ودوائر الأعيان الطاهرة أربعة : الأول الحياة ، الثاني الشرف ، الثالث البحري ، کميتة البحر الرابع عدم الدم كالذباب
وأشار إلى الأول فقال :
( الحي الطاهر ) يعني كل من و كان حيا فهو طاهر مطلقا من آدمي وغيره ولو كافرا ، وأما نجاسته المذكورة في القرآن فهي نجاسة الكفر كناية عن نجاسة معنوية .
قوله : ( إن كان كلبا أو خنزيرا ) خلافا للشافعية ، إذ يرون أن الكلب والخنزير نجسان ، وعندنا الطهارة . وكذلك من الطاهر ما انفصل من الحي كعرقه ولو في حال شربه اللخمر .
والعرق هو : ما سال من الجسد وينشأ من سخانة المعدة .
والدمع : وهو ما سال من العينين .
والمخاط : وهو ما خرج من المنخرين .
والبلغم وهو : ما خرج من طرف اللسان بخلاف الخضراء وهي : ما خرجت متجمعة .
والعاب وهو : ما سال من الفم .
والبيض ولو من جلالة إلا المذر -بالذال المعجمة - فهو نجس ، وأنواعه ثلاثة : ما مات فيه فرخ ، أو صار دما ، أو تغير وصار منتناً ، ففي هذه الصور الثلاثة فهو نجس ، وكذلك ما خرج بعد موت أمه فهو نجس أيضا .
ص : ( ميت الآدمي وما انفصل منه )
ش : يعني ومن الطاهر ميت الآدمي ، وهو إشارة إلى الدائرة الثانية وسبب طهارته الشرف ، والقول بطهارة ميت الآدمي هو القول الصحيح وكذلك ما انفصل منه من يد ، أو رجل ، وهو ما عليه جمهور المالكية واعتمده القطب الدرديري في شرحه على مختصر العلامة خليل .
( وميتة البحر) : ش : ومن الطاهر ميتة البحر وهي الدائرة الثالثة أي كل ما نسب للبحر سمك وتمساح وجميع حيوانات البحر ميتته طاهرة لحديث : « أحلت لنا میتتان ، ميتة البحر والجراد » وعندنا أيضا بما يموت به نارا أو غيرها نوی بها الذكاة .
. ص : (وميتة ما لا نفس له کنحو الجراد) . ش : يعني ومن الطاهر ميتة من لا ده له ، وهي الدائرة الرابعة .
قوله ( كنحو الجراد ) ومثله النمل والعقرب ، والخنفساء ، والصرصار ، والذباب ، والدود ، والبراغيث ، كل ذلك ميتته طاهرة .
و ( قيء ، وصفراء ، وقلس ، إن لم تتغير عن حالة الطعام) - يعني من الطاهر القيء وهو : ما يخرج من المعدة ، إذ المعدة عندنا طاهرة وما يخرج منها طاهر ما لم يتغير عن حالة الطعام ، فإن تغير فهو نجس . وأما الصفراء فهي : ماء يشبه الكركم . والقلس : ماء أبيض حامض يأتي عند امتلاء المعدة وهما طاهران مالم يتغيرا عن حالة الطعام .
(ولبن الآدمي ولبن المباح والمكروه ):
ومن الطاهر اللبن ، فإن كان من آدمي فهو طاهر مطلقا كان الآدمي حيا أو ميتا على الأصح ، وكذلك لبن المباح من غنم وبقر وإبل وصيد ولو مستعمل النجاسة .
ومن اللبن الطاهر لبن المكروه الأكل كاللبوة ولكن يكره استعماله . أما محرم الأكل فلبنه نجس إذ اللبن تابع للحم
ومن الطاهر فضلات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من بول وغائط واستنجائهم للتشريع ؛ وفضلات المباح غير الجلالة ، والمباح من غنم وبقر وإبل وصيد وطير إلا البازي ولو وطواط ، إذ هما من مکروهات الأكل لكن فضلاتها نجسة .
قوله : ( غير الجلالة )
والمراد بها هنا : كل حيوان يستعمل النجاسة كالدجاج بخلاف الحمام ، ولا يضر الشك فيه ، والجماد وهو : جسم غير حي ، وهي الأرض وما اتصل بها من شجر ، ومدر ، وما انفصل منهما كالماء ، والداتورة بأنواعها إلا المسكر وهو الخمر ، والخمر هو : ما خامر العقل فهي نجسة مطلقا سواء كانت معصورة من عنب ، أو تمر ، أو زبيب ، أو مصنوعة من ذرة ، أو حنطة ، أو أرز ، فكل ما أسكر فهو نجس وحرام ، وهي من الكبائر وحدها ثمانون جلدة . بخلاف الحشيش والأفيون والسكيران فهذه طاهرة ولكن يحرم منها مقدار ما يغيب العقل ويؤدب فاعله وقد روت السيدة أم سلمة رضي الله عنها عن النبي قالت : ( نهى رسول اللهﷺ عن كل مسكر ومفتر ومخدر ) . ( متفق عليه ) . والنهي نهي تحريم ، ومن الكبائر . والمراد بالمخدر الحشيش وما بعده . والمفتر کالدخان ومضغة ظهرت بالسودان تجعل ما بين الشفتين وهي ( التمباك ) أفاده الشيخ محمد عليش في الفتاوی .
ومن الطاهر المسك ، وهو ما يكون بداخل فارة وأصله دم فيؤول إلى مسك ، وما يعلق بالشجر وهو يكون للصيد عند احتكاكه بالشجرة فيخرج من كثرة ذلك دم فيؤول إلى مسك .
ومن الطاهر ( مرارة) المباح وهو عبارة عن ماء حامض في داخل کیس وما ذکی من (مباح )يعني أن من الطاهر أيضا المذكى من المباحات من لحم و شحم وعظم وجلد وريش . والتذكية هي : سبب شرعي يتوصل بها إلى إباحة الحيوان البري من غنم ، وبقر ، وإبل ، وصيد ، وطير ، فالكل طاهر بعد التذكية .
( ودم لم يسفح من مذكي ) يعني من الطاهر الدم الذي يتعلق بالعروق واللحم ، لكن شرطه أن يكون من مذكي فإن لم تذکی بهیمته فهو نجس
و ( صوف وزغب ریش وشعر ووبر إن جز ) : يعني أن من الطاهر الصوف وهو : ما يكون للضأن ، والحمير ، والبغال والشعر وهو للغنم ، وزغب الريش وهو : ما اكتنف القصة من الجانبين وهو اللطيور ، ووبر وهو للإبل بشرط أن يجز منها .
و ( خمر خلل أو حجر ) : يعني من الطاهر الخمر إن خلل يعني صار كالخل سواء كان بفعل فاعل أو بطول المدة .
أو حجر - أي صار كالحجر - بشرط أن يذهب إسكاره ، وفي طهر الأواني خلاف ، والراجح الطهارة ، وفي تكسير الأواني تردد فإن كان بها انتفاع عام لما سوی الخمر وإلا تكسر على الراجح . وكذلك من الطاهر
(رماد النجس ودخانه ).. يعني من الطاهر رماد النجس ودخانه بناء على أن النار مطهرة وهو الراجح خلافا للعلامة خليل الذي يرى نجاستها ، والأصل في الأشياء الطهارة والنجاسة طارئة .