*ذخيرة الفقه الكبرى*
على مذهب الإمام مالك بن أنس الفضيلة مولانا العالم العلامة الشيخ الطاهر محمد سليمان الأشعري عقيدة المالكي مذهبا البدوي السطوحي طريقة
*فصل في فرائض الوضوء*
*و فرائض الوضوء وفاقا و خلاقا عشرة*
والفصل لغة هو : الحاجز بين الشيئين .
واصطلاحا هو : اسم لأهل طائفة من مسائل الفن المندرج تحت باب أو کتاب .
والوضوء لغة : هوا النظافة : من الأوساخ الحسية والمعنوية .
وشرعا : طهارة مائية تشتمل على غسل أعضاء مخصوصة بنية .
وقد شرع الوضوء صبيحة الإسراء والمعراج ، فمن أقر بوجوبه وامتنع عنه أخر إلى أن يبقى من الوقت مقدار ما يسع الوضوء والصلاة فإن توضأ بها وإلا قتل حدا .
قوله ( عشرة ) يعني أن فرائض الوضوء عشرة وفاقا وخلافا منها ثلاثة قال ابن رشد بفرضيتها وهي : طهر الأعضاء ، ووجود ما يكفي من المطهر ، وثالثها الترتيب . أما طهر الأعضاء فمندوب ، وأما وجود ما يكفي من المطهر فشرط في الوجوب والصحة معا ، وأما الترتيب فسنة مؤكدة .
وأما بقية العشرة منها أربعة إجماعا ، وثلاثة على المشهور . والثلاثة هي النية والدلك والموالاة .
والأربعة المجمع عليها هي غسل الوجه ، وغسل اليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين .
⓵ـ الفريضة الأولى : غسل الوجه :
واعلم أن للوجه طولا وعرضا وبياضات ستة ، وشعور عشرة ، وما خفي من الوجه وهي ثلاثة عشرة جزئية ، فالمجموع ثلاثون مسألة جزئية . فأما طول الوجه فهو من منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن أو اللحية ، فيخرج الأصلع ويدخل الأغم ، والمراد بالأصلع من انحسر شعره من مقدمة الرأس ، والأغم هو ما غطي شعره جزء من الجبهة والمعتاد بينهما فعلى الأغم غسل بعض شعره مع الوجه و على الأصلع أن يقتصد على المعتاد .
وأما عرض الوجه فمن وتد الأذن اليمنى إلى وتد اليسرى ، ويجب عليه تعهد أسارير جبهته وما غار من جفن ، وظاهر العينين ، والمنخرين ، والوتدة وظاهر الشفتين فيضمهما ضا معتادا فهذه عشر جزئیات . وأما البياضات فهي ستة تنقسم إلى ثلاثة أقسام بیاضتان يغسلان ومسحان ، و بیاضتان تغسلان وهما ما حاذى وتدي الأذنين ، و بیاضتان تمسحان فقط وهما ما حاذيا الصدغين . أما البياضتان اللتان تغسلان وتمسحان فهي دائرة الجبين - وهي الفاصل ما بين الوجه والرأس- ففي غسل الوجه يغسل ( المكلف ) بعض شعر رأسه في كل الدائرة وفي مسح الرأس يأخذ بعض الوجه .
أما الشعور فهي عشرة :
الحاجبان وأشفار العينين ، والشارب ، والعنقفة ، واللحية ، وكلاهما يجب تعهدهما بالدلك إلا اللحية . أما اللحية ففيها أربعة صور : فهي إما أن تكون كلها خفيفة فتخلل وجوبا وهي ما تظهر البشرة تحتها ، أو تكون كلها كثيفة فتحرك و جوبا ، أو يكون البعض منها خفيفا والبعض كثيفا فلكل حكمه ، فمجموع الجزئيات ستة وعشرون ، وبانضمام وتدي الأذنين تكون ثمانية وعشرون جزئية ، ثم تحديد طول الوجه وعرضه تكون ثلاثين جزئية .
⓶ـ الفريضة الثانية : غسل اليدين من رؤوس الأصابع إلى المرفقين مع تخليل أصابعها : قوله : ( غسل اليدين ) يعني الفريضة الثانية غسل اليدين ولها حد وحدهما من رؤوس الأصابع إلى المرفقين فإن غسلها من المرفقين إلى الكوعين واقتصر على ذلك بطل وضوءه وكثيرا ما يقع هذا من العامة . قوله : ( إلى المرفقين ) ف ( إلى ) بمعنى ( مع) أي مع المرفقين فإن أخرجهما بطل وضوؤه . قوله : ( مع تخليل أصابعها ) فالأصابع من اليدين فإن ترك تخليلها بطل وضوؤه ، وهذا ما عليه العلامة خليل ، وقيل أثم وصح وضوءه بناء على أن التخليل واجب مستقل وهو الراجح . ووجب نزع خاتمه الغير مأذون في اتخاذه إن كان ضيقا ، وإلا بطل وضوءه كخاتم من ذهب ، أو فضة زاد على الدرهمين لا إن كان درهمین واتحدا فلا ينزعه وإن ضاق . ووجب تعهد باطن الكفين وباطن مؤخرة اليدين ، وندب جمع الأصابع وضربهم في الكف ، وكون التخليل ذبا .
⓷ـ الفريضة الثالثة : مسح الرأس : ومسح الرأس من أول جبهته إلى منتهى الجمجمة ، ويجب عليه مسح دائرة الجبين مع الصدغين وليس على المكلف نقض مضفوره ذكرا كان أو أنثى إن كان ضفرا خاليا من الخيوط والشد كضفر نساء المصريين والمغاربة ونساء الشرق . وقد نظم الشيخ الأجهوري في ذلك فقال :
إن في ثلاث الخيط يضفر الشعر
فنقضه في كل حال قد ظهر
وفي أقل أن یکون وأشده
فالنقض في الطهرین صار عمده
وإن خلا عن الخيط أبطله
في الغسل أن شد وإلا أهمله
يعني إذا كان يضفر الشعر ثلاثة خيوط وجب نقضه لكل وضوء وغسل كانت الضفيرة شديدة أو لا ، وإن كانت دون الثلاثة كخيطين أو خيط واحد وشد فيجب نقضه مطلقا ، وإن كانت الضفيرة خالية من الخيوط ومن الشد وجب نقضه لغسل لا وضوء .
تنبيه : على المرأة أن تقلد الإمام الشافعي في مسح الرأس والإمام أبا حنيفة في الغسل . ووجب وجوبا شرطيا نقل الماء المسح الرأس فإن مسح بماء نازل من سبلوقة أو غيرها بطل المسح ، وإذا أبدل المسح غس ؟ هل يصح الوضوء أو يبطل ؟ الراجح الصحة بخلاف الغسل فإنه يبطل بالمسح في المغسول .
تنبيه : من حلق شعر رأسه بعد الوضوء أو قلم أظافره فلا يعيد الموضع .
⓸ـ الفريضة الرابعة : غسل الرجلين :
ويكون الغسل من رؤوس الأصابع إلى الكعبين مع تعهد أصابع الرجلين العشرة وراحة القدمين ثم العقبين والكعبين وهما العظان النائتان وندب تخليل أصابع الرجلين لأنها كالعضو الواحد .
⓹ـ الفريضة الخامسة : دلك خف بید :
يعني الفريضة الرابعة الدلك بشرطين : الشرط الأول أن يكون بباطن الكف فإن دلك بظاهرها بطل الوضوء وكذلك دلك الرجل بالرجل .
الثاني بيده لا بيد غيره فإن ذلك له غيره بطل الوضوء قيل يبطل لأنه من فعل البطر - أي الكبر- والراجح يبطل الوضوء لأن الدلك واجب لذاته لا بفعل الغير . وعلى الأقطع إستنابة غيره وجوبا ولو بأجر ، فإن لم یکن له مال فمن بیت المال ، وإن لم یکن فجاعة المسلمين ، فإن لم يكن جماعة فأفراد ، وإن لم يكن هنالك مسلماً فإن كان في بلاد الكفار ، أو كان بخلاء ولم يجد من يوضئه سقط عنه الوضوء والصلاة .
⓺ـ الفريضة السادسة : الموالاة :
يعني أن الموالاة فريضة بشرطين إن ذكر وقدر والموالاة هي : أن يفعل كل أعضاءه في فور واحد وأعاد الناسي بنية مطلقا كالعاجز يعني أن ناسي الموالاة يعيد ( العضو ) مطلقا ولو لنصف الزمن كست ساعات بنية إكمال الوضوء . وأما إن لم تجف الأعضاء غسله مع ما بعده استناناً . قوله : ( كالعاجز ) ، والمراد به کمن أتی بماء يكفيه ثم أريق الماء بنحو هواء ، أو غصب ، أو سرق ، أو طرح بفعل فاعل ، کمل في هذه الصور بلانية بخلاف العامد ، والجاهل ، والمفرط ، فإن فرقوا ، أو جفت الأعضاء بطل الوضوء على الراجح ، فإن لم تجف الأعضاء کملوا بلا نية . ومن تذكر لمعة بعد الصلاة بطلت الصلاة اتفاقا فيغسلها بنية ويعيد الصلاة ، وإن لم يكن صلى غسلها بنية .
⓻ـ الفريضة السابعة : النية :
*النية وفيها عشر مباحث:*
❶ـ المبحث الأول : في حقيقتها فقد قيل أنها عرض ، وقيل أنها جوهر ، فعلى القول بأنها عرض وجب تجديدها في كل صلاة وهو القول الراجح لزوالها وسببها الغفلة .
❷ـ المبحث الثاني : في محلها ومحلها القلب ، والتلفظ بها خلاف الأولى إلا المستنكح .
❸ـ المبحث الثالث : في أقسامها وهي ثلاثة : الأول فرض الوضوء أو استباحة ما كان الحدث مانا منه ، أو رفع الحدث الأصغر أو الحدث مع الخبث . وبطلت أن نوى الخبث أي رفعه ، أو قال نویت رفع الحدث إلا من البول ، أو قال إلا من سببه ، فيبطل الوضوء في هذه الثلاثة .
❹ـ المبحث الرابع : فإن تقدمت النية بيسير فخلاف ، والراجح الصحة لا إن تقدمت بكثير فيبطل الوضوء .
❺ـ المبحث الخامس : رفضها في الأثناء مبطل كالصلاة والصوم والغسل والاعتكاف لا بعد الفراغ فلا تبطل الجميع بخلاف الحج والعمرة فإنها لا پر تفضان مطلقا أما التيمم فيرتفض مطلقا .
❻ـ المبحث السادس : لا يضر نسيانها بعد الفعل .
❼ـ المبحث السابع : لا يتعرض الصبي لنية فرض ولا نافلة وإنما يتلفظ بنية الوضوء فإن تعرض لفرض أو نافلة بطل الوضوء أفاده الشيخ الأمير .
❽ـ المبحث الثامن : حكمة مشروعيتها وهي لتمييز العبادات .
❾ـ المبحث التاسع : اختلفوا في أي موضع تكون ، فقيل عند غسل اليدين إلى الكوعين ، و قيل عند غسل الوجه ، وقيل الاستصحاب من اليدين إلى الوجه والراجح التفصيل .
⓿❶ـ المبحث العاشر : النية مشروعة في المقاصد والوسائل والمراد بالمقاصد : العبادات من صلاة ، وصوم ، وحج ، والوسائل من وضوء ، وتیمم ، أما الجبيرة والخفين فيدخلان في الوضوء بخلاف الاستنجاء وإزالة النجاسة والإستجار فإن النية ليست رکنا في الثلاثة ، وكذلك غسل الميت لا يشترط فيه النية .